حضور الجنس في الفكر العربي المعاصر [شجرة الحرية هي شجرة المعرفة]
- أحمد دلباني
- 21 janv. 2017
- 7 min de lecture

أود أن أشير أولا - وأنا أنوي الحديث عن الجنس بوصفه ذا حضور إشكالي في الفكر العربي - إلى أنني لن أتناول حضوره في الإبداع الروائي العربي الراهن، أقصد لن أتناول / توظيفه / في الخطاب الروائي الذي يستثمر فيه، تاركا ذلك للمهتمين وأهل الاختصاص في النقد الفني والروائي· في مقابل ذلك، أود أن ألفت الانتباه إلى الجنس وإلى المسألة الجنسية بوصفها جبهة نضالية من أجل تحرير الذات العربية من المكبوت، وبوصفها أفقا حاولت الثقافة العربية الطليعية أن تقول فيه كلمتها، وهي تفكك الموروث والبنية العامة للثقافة العربية في تمظهراتها الفكرية والسوسيولوجية والسياسية·
يطرح السؤال، اليوم، عادة: لماذا / توظيف/ الجنس بهذه الكيفية والمبالغة في الأدب الروائي الراهن؟ ما الغرض من ذلك؟ الإثارة أم الرواج؟ والأصح برأينا أن يطرح السؤال الاستنكاري: ولماذا لا يوظف الجنس في الأدب؟ ولماذا الإدانة الأخلاقية المسبقة التي تركن إلى تعاليم صنم العقل الاجتماعي؟ أليس الأدب - في عمقه - إفصاحا عن التجربة الإنسانية ومساءلة للوضع البشري وكشفا لمجاهيل الذات وأغوارها؟ أليس الجنس هو أعمق ما يضيء كينونة الإنسان بوصفه يمثل لغة أولى وصبوات إلى الامتلاء وضوءا يكشف عن المكبوت التاريخي والاجتماعي؟ إن المسألة الجنسية، بالتالي، تتجاوز حدود الإثارة المتعمدة في الأدب لتطال إحدى أكبر المشكلات التي تعانيها الثقافة موضع المساءلة· إنه - من هذه الزاوية - شرفة تتيح لنا أن نفكك الرواسب التاريخية لثقافة القمع وأن نعيد النظر في قضية الإنسان من زاوية الحرية الكيانية· إنه ذلك الهامش الذي يمثل فضيحة ثقافة السلطة أوفضيحة الثقافة باختصار، بوصفها منظومة تدجينية وقهرا تاريخيا للإنسان أنتج / سوء الحال في الحضارة / كما يشير إلى ذلك عنوان أحد كتب رائد التحليل النفسي، سيجموند فرويد·
إن الوضع السوسيو- ثقافي الذي ورثه المفكر العربي النقدي جعله يخوض نضالاته النقدية على جبهة المكبوت تحديدا، بما هو إرث تاريخي لثقافة لم تعد على موعد مع زمن الإنسان المتحرر من الوصاية في عهد هجمة الحداثة بفتوحاتها المعرفية والعلمية وبثوراتها الاجتماعية والسياسية· من هنا، وجد المفكر العربي الطليعي نفسه محاصرا بالتابو والمحرم من كل الجهات، فرأى أن من أوكد مهامه أن يسائل وأن يخلخل بنية الوعي التقليدي في النظر إلى الذات والعالم والأشياء، ما جعله يمد يده إلى شجرة المعرفة المحرمة كاشفا عن العلاقات الخفية بين القمع ونظام المجتمع التقليدي، وبين السلطة القهرية والمعرفة السائدة· هذا ما يفسر ميلاد العديد من الأبحاث الفكرية/ النقدية العربية المهمة التي فتحت أضابير المكبوت في صوره الثلاث الرئيسة: الدينية والسياسية والجنسية، والتي لا معنى للفكر - بنظر أصحابها - إن لم يتنطح لها بوصفها مفتاحا للفهم والتجاوز·
إن الجنس، بالتالي، ليس موضة أدبية وليس موجة عابرة على محيط الاهتمام الثقافي والإبداعي عندنا· إنه من صميم مشكلاتنا بوصفه بؤرة تلتقي عندها شبكة المراسلات بين قضايا الفكر العربي الكبرى: الحرية والرغبة وبنية العلاقات الاجتماعية وتثوير أساس القيم· إنه ليس نزوة وتجارة وإنما هو قضية حضارة· إنه مساءلة لثقافة همشت الجسد واستبعدته من مجال التفكير في خلاص الإنسان وحريته، وجعلته موطن الآثام والشرور والخطايا· هذا ما يجعل قضية الجنس في العالم العربي قضية قيم وقضية إبداع في آن واحد: قيم الذاتية والحرية والفردانية التي شكلت اللامفكر فيه تاريخيا في ثقافتنا الموروثة في شكلها السائد طبعا؛ وإبداع الحياة العربية الجديدة التي تستجيب لإيقاع تطور العصر بإحداث الثورة الكوبرنيكية المنشودة التي تبوئ الإنسان مركز دائرة القيم· إن الجنس مشكلة ثقافية وسياسية ينشط الحديث عنها بهذه الكيفية التي عندنا في ظل التأزم بين الوعي النقدي وشروط الواقع المتفتت الذي فقد بوصلة الاتجاه في ظل التجاذب بين التطلع إلى أفق جديد من جهة، والكوابح التي تثقل على الروح والفكر والجسد من جهة أخرى· هذا يعني، باختصار، أنه لا سبيل إلى فهم الجنس بوصفه مشكلة إلا بتحليل معمق لبنية الثقافة البطريركية سوسيولوجيا وسياسيا؛ ما يعني ارتباطه ببنية حضارية ظلت تمنع آدم من مد يده إلى ثمار شجرة المعرفة المحررة من منظومة القمع الراسخ تاريخيا·
هذا الأمر الأخير يجعلنا نعتقد أن حضور المسألة الجنسية في الثقافة العربية النقدية المعاصرة، ليس حضورا سجاليا سطحيا وإنما هو مساءلة ذات عمق أنتروبولوجي، تروم فهم أسس الوضع الإنساني باختراق خصوصيات ثقافتنا التاريخية والنفاذ إلى جذورها عن طريق خلخلة علاقة المكبوت بالمقدس من جهة، وفهم وشائجه الخفية بالبنية السوسيو- سياسية السابقة على الحداثة من جهة أخرى· هذا الأساس النظري / العملي في آن هو الذي حدد مساحة التناول النقدي عند المفكر العربي المعاصر؛ أقصد جبهة اختراقاته التي يهيمن عليها التابو بوصفه حصنا للثقافة السائدة يضمن ديمومتها وسيادتها المادية والرمزية على الفضاء السوسيو- سياسي· يريد المفكر النقدي، بالتالي، تحرير المكبوت وفك الارتباط بين مكونات منظومة القمع الديني والسياسي والجنسي بما هي آليات إخضاع لا تمثل إلا سلطة تكرست تاريخيا ضمن شروط محددة أصبحت اليوم آيلة للزوال كما هو معروف·
لقد عرفت الثقافة الغربية الحديثة والمعاصرة - وهي مرجعنا في القراءة والمساءلة النقدية والفكرية - هذا الأمر بالطبع في أشكاله الأكثر إفصاحا عن ثورة العقل والجسد ضد الموروث الديني المسيحي وضد القمع الاجتماعي الذي ارتبط بأخلاقيات ثقافة الإخضاع والاستغلال البورجوازية· هذا ما يجعلنا نفهم - على سبيل المثال - كيف أن / بابا السوريالية / أندري بريتون رأى أن الثورة الشاملة على الاستلاب والاغتراب التاريخيين للإنسان يجب أن تشمل الثورة على الحضارة البورجوازية من جهة أولى، أولى، والثورة على حضارة الخطيئة الأصلية من جهة ثانية· هذا يعني أن تحرير الجسد والرغبة من المكبوت التاريخي ظل مرتبطا بالتحرر من مرجعيات الثقافات القائمة على المقدس والمحرم وسلطة الأب الثقافي/ الرمزي؛ ونحن نعرف جميعا أن خصيصة الثقافة العربية - الإسلامية الأولى في شكلها السائد المهيمن هي كونها ثقافة أبوية لم تعترف للذات بحقوقها في الفعل المعرفي المستقل، ولم تعترف للفرد بحقه في أن يكون مرجعية يتأسس عليها عقد اجتماعي وأخلاقي يفتتح قارة الحرية الكيانية في مجتمعاتنا· إن المسألة الجنسية، بالتالي، قضية مركزية في الثقافة العربية الراهنة التي ورثت زمنا حضاريا مستنفدا ومكبوتا تاريخيا هائلا لم يتعرض للخلخلة القادرة على زحزحته إلى فضاء المساءلة النقدية الواعية تمهيدا لتجاوزه· من هنا، نعتقد أن مهمة النقد الثقافي الشامل لأوضاعنا وتراثنا الرسمي السائد تكمن في التنطح للمحرم الذي ظلت السلطة الرمزية تعتبره ضمن دائرة احتكاراتها؛ فلا تحرر إلا بفعل معرفي اختراقي يتيح الخلاص من المكبوت الراسخ تاريخيا· هذا ما جعل الفكر النقدي العربي يناوش قلعة السلطة الثقافية العربية بأكثر أدوات الاختراق طليعية، مؤمنا بأن شجرة الحرية هي شجرة المعرفة بامتياز·.....أود أن أشير أولا - وأنا أنوي الحديث عن الجنس بوصفه ذا حضور إشكالي في الفكر العربي - إلى أنني لن أتناول حضوره في الإبداع الروائي العربي الراهن، أقصد لن أتناول / توظيفه / في الخطاب الروائي الذي يستثمر فيه، تاركا ذلك للمهتمين وأهل الاختصاص في النقد الفني والروائي· في مقابل ذلك، أود أن ألفت الانتباه إلى الجنس وإلى المسألة الجنسية بوصفها جبهة نضالية من أجل تحرير الذات العربية من المكبوت، وبوصفها أفقا حاولت الثقافة العربية الطليعية أن تقول فيه كلمتها، وهي تفكك الموروث والبنية العامة للثقافة العربية في تمظهراتها الفكرية والسوسيولوجية والسياسية· يطرح السؤال، اليوم، عادة: لماذا / توظيف/ الجنس بهذه الكيفية والمبالغة في الأدب الروائي الراهن؟ ما الغرض من ذلك؟ الإثارة أم الرواج؟ والأصح برأينا أن يطرح السؤال الاستنكاري: ولماذا لا يوظف الجنس في الأدب؟ ولماذا الإدانة الأخلاقية المسبقة التي تركن إلى تعاليم صنم العقل الاجتماعي؟ أليس الأدب - في عمقه - إفصاحا عن التجربة الإنسانية ومساءلة للوضع البشري وكشفا لمجاهيل الذات وأغوارها؟ أليس الجنس هو أعمق ما يضيء كينونة الإنسان بوصفه يمثل لغة أولى وصبوات إلى الامتلاء وضوءا يكشف عن المكبوت التاريخي والاجتماعي؟ إن المسألة الجنسية، بالتالي، تتجاوز حدود الإثارة المتعمدة في الأدب لتطال إحدى أكبر المشكلات التي تعانيها الثقافة موضع المساءلة· إنه - من هذه الزاوية - شرفة تتيح لنا أن نفكك الرواسب التاريخية لثقافة القمع وأن نعيد النظر في قضية الإنسان من زاوية الحرية الكيانية· إنه ذلك الهامش الذي يمثل فضيحة ثقافة السلطة أوفضيحة الثقافة باختصار، بوصفها منظومة تدجينية وقهرا تاريخيا للإنسان أنتج / سوء الحال في الحضارة / كما يشير إلى ذلك عنوان أحد كتب رائد التحليل النفسي، سيجموند فرويد· إن الوضع السوسيو- ثقافي الذي ورثه المفكر العربي النقدي جعله يخوض نضالاته النقدية على جبهة المكبوت تحديدا، بما هو إرث تاريخي لثقافة لم تعد على موعد مع زمن الإنسان المتحرر من الوصاية في عهد هجمة الحداثة بفتوحاتها المعرفية والعلمية وبثوراتها الاجتماعية والسياسية· من هنا، وجد المفكر العربي الطليعي نفسه محاصرا بالتابو والمحرم من كل الجهات، فرأى أن من أوكد مهامه أن يسائل وأن يخلخل بنية الوعي التقليدي في النظر إلى الذات والعالم والأشياء، ما جعله يمد يده إلى شجرة المعرفة المحرمة كاشفا عن العلاقات الخفية بين القمع ونظام المجتمع التقليدي، وبين السلطة القهرية والمعرفة السائدة· هذا ما يفسر ميلاد العديد من الأبحاث الفكرية/ النقدية العربية المهمة التي فتحت أضابير المكبوت في صوره الثلاث الرئيسة: الدينية والسياسية والجنسية، والتي لا معنى للفكر - بنظر أصحابها - إن لم يتنطح لها بوصفها مفتاحا للفهم والتجاوز· إن الجنس، بالتالي، ليس موضة أدبية وليس موجة عابرة على محيط الاهتمام الثقافي والإبداعي عندنا· إنه من صميم مشكلاتنا بوصفه بؤرة تلتقي عندها شبكة المراسلات بين قضايا الفكر العربي الكبرى: الحرية والرغبة وبنية العلاقات الاجتماعية وتثوير أساس القيم· إنه ليس نزوة وتجارة وإنما هو قضية حضارة· إنه مساءلة لثقافة همشت الجسد واستبعدته من مجال التفكير في خلاص الإنسان وحريته، وجعلته موطن الآثام والشرور والخطايا· هذا ما يجعل قضية الجنس في العالم العربي قضية قيم وقضية إبداع في آن واحد: قيم الذاتية والحرية والفردانية التي شكلت اللامفكر فيه تاريخيا في ثقافتنا الموروثة في شكلها السائد طبعا؛ وإبداع الحياة العربية الجديدة التي تستجيب لإيقاع تطور العصر بإحداث الثورة الكوبرنيكية المنشودة التي تبوئ الإنسان مركز دائرة القيم· إن الجنس مشكلة ثقافية وسياسية ينشط الحديث عنها بهذه الكيفية التي عندنا في ظل التأزم بين الوعي النقدي وشروط الواقع المتفتت الذي فقد بوصلة الاتجاه في ظل التجاذب بين التطلع إلى أفق جديد من جهة، والكوابح التي تثقل على الروح والفكر والجسد من جهة أخرى· هذا يعني، باختصار، أنه لا سبيل إلى فهم الجنس بوصفه مشكلة إلا بتحليل معمق لبنية الثقافة البطريركية سوسيولوجيا وسياسيا؛ ما يعني ارتباطه ببنية حضارية ظلت تمنع آدم من مد يده إلى ثمار شجرة المعرفة المحررة من منظومة القمع الراسخ تاريخيا· هذا الأمر الأخير يجعلنا نعتقد أن حضور المسألة الجنسية في الثقافة العربية النقدية المعاصرة، ليس حضورا سجاليا سطحيا وإنما هو مساءلة ذات عمق أنتروبولوجي، تروم فهم أسس الوضع الإنساني باختراق خصوصيات ثقافتنا التاريخية والنفاذ إلى جذورها عن طريق خلخلة علاقة المكبوت بالمقدس من جهة، وفهم وشائجه الخفية بالبنية السوسيو- سياسية السابقة على الحداثة من جهة أخرى· هذا الأساس النظري / العملي في آن هو الذي حدد مساحة التناول النقدي عند المفكر العربي المعاصر؛ أقصد جبهة اختراقاته التي يهيمن عليها التابو بوصفه حصنا للثقافة السائدة يضمن ديمومتها وسيادتها المادية والرمزية على الفضاء السوسيو- سياسي· يريد المفكر النقدي، بالتالي، تحرير المكبوت وفك الارتباط بين مكونات منظومة القمع الديني والسياسي والجنسي بما هي آليات إخضاع لا تمثل إلا سلطة تكرست تاريخيا ضمن شروط محددة أصبحت اليوم آيلة للزوال كما هو معروف· لقد عرفت الثقافة الغربية الحديثة والمعاصرة - وهي مرجعنا في القراءة والمساءلة النقدية والفكرية - هذا الأمر بالطبع في أشكاله الأكثر إفصاحا عن ثورة العقل والجسد ضد الموروث الديني المسيحي وضد القمع الاجتماعي الذي ارتبط بأخلاقيات ثقافة الإخضاع والاستغلال البورجوازية· هذا ما يجعلنا نفهم - على سبيل المثال - كيف أن / بابا السوريالية / أندري بريتون رأى أن الثورة الشاملة على الاستلاب والاغتراب التاريخيين للإنسان يجب أن تشمل الثورة على الحضارة البورجوازية من جهة أولى، أولى، والثورة على حضارة الخطيئة الأصلية من جهة ثانية· هذا يعني أن تحرير الجسد والرغبة من المكبوت التاريخي ظل مرتبطا بالتحرر من مرجعيات الثقافات القائمة على المقدس والمحرم وسلطة الأب الثقافي/ الرمزي؛ ونحن نعرف جميعا أن خصيصة الثقافة العربية - الإسلامية الأولى في شكلها السائد المهيمن هي كونها ثقافة أبوية لم تعترف للذات بحقوقها في الفعل المعرفي المستقل، ولم تعترف للفرد بحقه في أن يكون مرجعية يتأسس عليها عقد اجتماعي وأخلاقي يفتتح قارة الحرية الكيانية في مجتمعاتنا· إن المسألة الجنسية، بالتالي، قضية مركزية في الثقافة العربية الراهنة التي ورثت زمنا حضاريا مستنفدا ومكبوتا تاريخيا هائلا لم يتعرض للخلخلة القادرة على زحزحته إلى فضاء المساءلة النقدية الواعية تمهيدا لتجاوزه· من هنا، نعتقد أن مهمة النقد الثقافي الشامل لأوضاعنا وتراثنا الرسمي السائد تكمن في التنطح للمحرم الذي ظلت السلطة الرمزية تعتبره ضمن دائرة احتكاراتها؛ فلا تحرر إلا بفعل معرفي اختراقي يتيح الخلاص من المكبوت الراسخ تاريخيا· هذا ما جعل الفكر النقدي العربي يناوش قلعة السلطة الثقافية العربية بأكثر أدوات الاختراق طليعية، مؤمنا بأن شجرة الحرية هي شجرة المعرفة بامتياز·.....
Kommentare